الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الصحبي الجويني: هناك قيادات أمنية فاسدة وأطراف سياسية لا تريد أن يكون ثمّة أمن جمهوري

نشر في  04 جوان 2014  (11:28)

 طالبنا بحلّ الجمعيات الدعوية التي لديها ميزانيات بالمليارات ، ولكن لا أحد حرك ساكنا، فهل يريدونها دولة داخل الدولة؟!
 هناك زملاء كانوا ينتمون إلى حركة النهضة  حملوا السلاح ضدنا، عادوا بعد الثورة، قلنا مرحباً بعودتهم، لكن لا يمكن وضعهم في مواقع القرار
حلّ أمن الدولة، ضرب فرق الإرشاد في الجهات، ضرب شبكات المعلومات التي كانت بحوزتنا قضى على المؤسسة الأمنية
 كانت هناك سياسة ممنهجة لتحطيم وحلّ المؤسسة الأمنية انطلقت مع فرحات الراجحي وتواصلت مع الترويكا فوقع تفريغها من أجل تدميرها والقضاء عليها..
هل يعقل أن يكون قانون العفو عن المجرمين الذين اعتدوا على مراكز الأمن وحرقوها أولى من تفعيل قانون الإرهاب والبلاد في حالة حرب معه؟!

أمام تصاعد العمليات الإرهابية وارتفاع وتيرة المواجهات الأمنية مع العناصر المسلحة في مناطق متفرقة من البلاد، وحتّى يواكب القرّاء ما يحدث من تطورات في هذا الملف إخترنا أن نستضيف في عدد اليوم الصحبي الجويني، عضو الإتحاد الوطني لنقابات قوّات الأمن التونسي والمكلف بالشؤون القانونية، والمعروف بجرأته وصراحته في كشف الحقائق وفضح بعض الممارسات التي ساهمت في تغلغل الإرهاب وانتشاره.. في هذا الحوار يكشف الجويني عن «طيور الظلام» وعن التجاوزات وعن الصمت الذي أبداه بعض المسؤولين في تعاملهم مع الإرهاب والعقبات القانونية والمادية والبشرية التي تعترض الأمنيين في مواجهتهم له، كشف محدّثنا أشياء أخرى توكّد أن هناك أطراف تساند وتدعم وتشجع العناصر الإرهابية بطريقة أو بأخرى وهناك تردد غير مفهوم وغير مبرر لعدم تفعيل قانون الإرهاب وعدم تغيير الإنتشار الأمني في البلاد وتهاون من بعض الجهات ندعوكم للإطلاع عليها في الورقتين التاليتين..


يعيش الشعب التونسي اليوم في خوف كبير من الحاضر والمستقبل بسبب تصاعد الإرهاب وانتشاره في البلاد، كيف تقيّمون الوضع كأمنيين، لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة ومن يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه؟
نحن كأمنيين كنا متأكّدين بأننا سنصل إلى هذه المرحلة الحرجة والدقيقة، وقد كنا نبّهنا إلى ذلك بحكم المعطيات التي توفّرت لدينا منذ سنة  2012 لكن لم يستمع إلينا أحد ولم ينتبه إلى نداءاتنا واستغاثاتنا وتحذيراتنا أحد.. وقبل أن أجيبك عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع أريد أن أبعث بداية ومن خلال صحيفتكم برسالة طمأنة إلى الشعب التونسي مفادها أننا سنهزم الإرهاب ونقتلع جذوره مهما حاول التوغّل وإدخال الرعب والذعر في قلوب المواطنين، سننتصر على الإرهاب لأننا نستمد قوّتنا من الشعب التونسي ودعمه للقوات الأمنية...
 تعد بهزم الإرهاب والإنتصار عليه، لكن ماذا لو كان المدرب الذي يشرف على حظوظكم (وأعني هنا المسؤول السياسي ) لا يضع الخطة المناسبة ولا يوفّر الإمكانات اللازمة ويفتقد إلى القرار الجريء لدفع فريقه نحو الفوز، كيف يمكن لهذا الفوز أن يتحقق؟
حتّى في الوقت الذي كنا نلعب فيه بتسعة لاعبين  ودون مدرّب لم نخرج منهزمين في مواجهاتنا، وأعني ذلك في سنتي 2011 و2012 بعد أحداث 14 جانفي.. وهنا دعنا نحلل الواقع كما هو، نحن في المؤسسة الأمنية لم يكن لدينا إرهاب قبل الثورة وكانت سياستنا الأمنية هي التوقّي من الإرهاب، اليوم الأمر يختلف، أصبحنا نعيش حالة حرب ومكافحة مباشرة مع الإرهاب، لذلك أصبح من المفروض تعديل سياسة تجفيف المنابع التي كنا نتبعها سابقا للتوقّي من الإرهاب يجب تعديلها لأنه كان فيها بعض الشيء من الظلم، لكن لا يمكن بترها بمصطلحات جديدة تسمح وتفسح المجال للإرهاب بأن يتطوّر. هذا من ناحية، من ناحية أخرى يجب الإقرار اليوم بأنه لم تعد لدينا إمكانيات لوجستية لأنه تمّ حرق أكثر من 860 وسيلة نقل  وأكثر من 280 مقر وحدة أمنية، كانت هناك سياسة منهجة لتحطيم وحلّ المؤسسة الأمنية انطلقت مع سياسة التقاعد الوجوبي التي بدأها فرحات الراجحي وتواصلت مع «الترويكا» ليشمل العدد 71 إطارا أمنيا بين شرطة وأمن وطني وحرس وسجون وإصلاح وقضاة، بل ووصلوا إلى الصف القيادي الثالث، فوقع تفريغ المؤسسة من أجل تدميرها والقضاء عليها..
 بناء على ماذا وقع كل ذلك، هل هناك عملية تصفية حسابات مثلا في هذا الملف؟
نحن نعرف كيف تمّت الطبخة في مكتب فرحات الراجحي ونعرف أيضاً من حضر ومن كتب أسماء العرائض والجهات التي تدخّلت في العملية، وكيف تحوّلت المسألة إلى تصفية حسابات ومصالح ذاتية وخاصة، ونعرف أيضاً كيف تدخلت أطراف خارجية لوضع يدها على المؤسسة الأمنية والتحكّم فيها، هذا كلّه أدّى إلى تراجع المستوى القيادي خصوصا وأن قوّة مؤسستنا تكمن في قياداتها الصغرى والوسطى، وهذا الوضع دفعنا الى تحمّل المسؤولية وتحدّي الصعوبات والظروف والعراقيل ومحاولات التحطيم، وعملنا لوحدنا رغم الهجمات اليومية ومحاولات التشكيك وبث الفتنة والسب والشتم والتهديد والوعيد على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.. ورغم ذلك لم نسمح لهم بحلّ الوزارة والقضاء على الجهاز الأمني وبقينا صامدين خصوصا بعد أن وُلد في ذلك الظرف  هيكل نقابي أمني بعث الثقة في نفوس الأمنيين، من هناك انطلقنا في عملية البناء من جديد، هذه حقيقة تحسب للهيكل النقابي الأمني الذي وجد نفسه يتحمّل لوحده أمانة البلاد في تلك الفترة علاوة على حماية الأعوان والمؤسسة الأمنية، لأن السياسيين كانوا مشغولين حينها بالحملات الإنتخابية وغير مبالين بالأسلحة التي تدخل إلى التراب التونسي وبتدريبات المجموعات الإرهابية.. حينها نبّهنا وحذّرنا لكن لا حياة لمن تنادي، بل كذبونا ولم يستجيبوا لدعواتنا رغم أننا كنا ندرك خطورة الوضع وحجم التهديدات التي كانت تترصّد بلادنا من طرف الإرهابيين..
 لماذا تجاهلوكم ولم يصدّقوكم؟
تكذيبنا كان ممنهجا، وكانت هناك حملة تشكيك طالت الأمنيين وكان يوجّه لهم السؤال التالي:«من وقتاش ولّيتوا تقولوا في الحقيقة؟» كانوا يخاطبوننا بتلك الطريقة متناسين أن المسؤول الأول عن المنظومة البوليسية في تونس هو المسؤول  السياسي، بمعنى أننا نحن كأمنيين نعمل وفق تعليمات وحسب قوانين أساسية منظمة تفرض علينا الإستماع إلى كلام المسؤول السياسي الأول في البلاد سواء كان رئيس جمهورية أو وزير أول أو وزير داخلية، لأن كل شخص يرفض التعليمات يُحال على المحاكم العسكرية، هذا بالقانون.. وأنا أفاجئكم وأُؤكد لكم أن هذه القوانين المنظمة مازالت موجودة وقائمة إلى حد هذه الساعة، ورغم أن القانون الدستوري ينص على ان الأمن الوطني هو أمن جمهوري فإن القوانين الأساسية المنظمة للأمن الوطني تُؤكد أنه أمن دكتاتوري وليس جمهوري لأنه مازال خاضعا للسلطة السياسية.. مقابل ذلك وعندما يُخطئ المسؤول السياسي فإن القيادي الأمني هو من يتحمّل المسؤولية، وقد شاهدنا كيف تكلّم علي العريض وقال إنه لا يتحمّل أحداث السفارة الأمريكية وحمّل المسؤولية للقيادات الأمنية، والحال أن قرار عدم القبض على أبو عياض كان قرارا صادرا منه وليس من قيادات أمنية، حتّى بخصوص أحداث الرش بسليانة فقد تنصّل من المسؤولية وحمّلها للقيادات الأمنية.. هذه الممارسات أكدت أهمية وضرورة أن يكون لدينا استقلال عمليّاتي يمكن بمقتضاه أن نتحمّل المسؤولية وحدنا دون غيرنا..
 نفهم من كلامك أن هناك تقصيرا وتغاضيا في تعامل  من كانوا في السلطة مع ملف الإرهاب!
- من الأخطاء التي وقع ارتكابها سن العفو التشريعي العام الذي سمح لقيادات تنظيم القاعدة التي كانت في السجون مثل أبو عياض وغيره ببعث تنظيم آخر أطلقوا عليه إسم «أنصار الشريعة»، كان يفترض أن تقع إعادة محاكمة هؤلاء -إذا كانت هناك شكوك حول محاكمتهم- وليس إطلاق سراحهم، وعندما يتزامن خروجهم مع محاولات تحطيم المؤسسة الأمنية وبترها من خلال إحالات قياداتها على التقاعد الوجوبي ومحاصرتها بحملات الشك وهرسلتها..ماذا تريدون أن تكون النتيجة؟
 تعني ان العملية مقصودة وأن الهدف الأساسي كان تحطيم الداخلية وتدميرها؟
طبعا مقصودة، حلّ أمن الدولة، ضرب فرق الإرشاد التابعة للأمن العمومي في الجهات، ضرب شبكات المعلومات التي كانت بحوزتنا هذا كلّه مبرمج ومخطط له، وقد وصل الأمر إلى حد تغيير كل حرّاس الغابات دون استثناء وتعويضهم بأشخاص آخرين فيهم العديد من السلفيين ثم تتساءلون اليوم لماذا وقع تلغيم وتفخيخ الشعانبي؟ عندما يتمكّن تنظيم أنصار الشريعة من احتلال شارع الحبيب بورقيبة ومن الصّعود فوق الساعة وإقامة الآذان، ويجلس أبو عياض فوق كرسيّ في قلب شارع بورقيبة قبالة وزارة الداخلية ويقولون «هنا يسكن الشيطان» ماذا تنتظرون أن يحصل بعد ذلك؟! عندما يعقد أنصار الشريعة مؤتمرا تحضر فيه قيادات سياسية وحقوقية ورابطية ومحامون في محاولة لتغليف الإرهاب بطابع شرعيّ، أليس ذلك رسائل للأمنيين مفادها أن «هاذوما إمتاعنا ما تقربولهمش»...
 أنا كرجل أمن وعون تنفيذ وعندما تكون لديّ القدرة والرغبة  والقناعة والإرادة للقيام بمهمّتي ومكافحة هؤلاء وأجد ذلك المشهد أمامي وأنا عون تنفيذ، كيف يمكن لي أن أقوم بواجبي وأن أُؤدّي عملي؟! لمّا يقع معاقبة وإبعاد من يعمل ويؤدّي واجبه ووضع أشخاص على رأس مسؤوليات أو مواقع لا يستحقّونها بذلك سنجد أنفسنا حتما أمام النتيجة التي وصلنا إليها اليوم.. وبالتالي عندما تقوم بتجميع كلّ هذه العناصر ستجد الإجابة على تساؤلك بخصوص الأسباب آلتي أوصلتنا إلى هذه الدرجة من الإرهاب.
 لماذا اخترتم الصّمت عن مثل هذه الممارسات ولم تكشفوا الحقائق كما هي عارية للرأي العام؟
لم نسكت ولم نلتزم الصمت، بل توجّهنا حتّى إلى المجلس التأسيسي في 10 ماي  2012 وقدمنا لهم خارطة طريق لمكافحة الإرهاب تتضمّن إحداث قطب قضائي وأمني وإحداث رقم أخضر خاص بالإرهاب حتى يتمكن المواطن من الاتصال بالسلطات الأمنية مباشرة دون خوف...
 وهل يحتاج رقم أخضر لقرار من المجلس الوطني التأسيسي؟
«ماحبّوش» فتوجهنا إلى المجلس التأسيسي ودخلنا عنوة وقدمنا لهم اقتراحاتنا وخارطة الطريق للقضاء على الإرهاب.. ولكن إلى يومنا هذا مازلنا ننتظر، والأدهى من كل ذلك وما يُؤلم حقاً هو أنه في الوقت الذي نشيّع فيه الشهداء الذين قتلهم الإرهاب في القصرين ونخوض فيه مواجهات مع الإرهابيين في جندوبة ومناطق مختلفة من البلاد، يجتمع  المجلس التأسيسي من أجل إصدار قانون يُسقط تتبّع كل من ثبت أنه تورّط أو لحقت به قضايا من أجل حرق وحدة أمنية أو الإعتداء على المقرات الأمنية على خلفيةأحداث  17 ديسمبر و28 فيفري، ماهي الرسالة التي يريدون تبليغها؟ يعني أن كل شخص لا يعجبه نظام معيّن يمكن له أن يضرم النار في مركز للأمن! لماذا لا يطالبونهم بحرق مقرّات الأحزاب؟! بمعنى أنه في الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن يجتمع  المجلس التأسيسي لإقرار تفعيل قانون الإرهاب اجتمع ليُشرّع حرق المراكز الأمنية!!! ثمّ أنا لم أفهم لماذا من 17 ديسمبر إلى 28 فيفري والحال أن الدستور ينص على أن الثورة قامت من 17 / 12 إلى 14 جانفي، وقد لا تستغرب إذا مدّدوا فيها إلى سنة 2014 ونمرّر حينها قانون التوبة وينتهي الموضوع «ويا ناس ما كان باس»..
 رئيس الجمهورية المؤقت فتح فعلا باب التوبة لهؤلاء!
كيف يمكن أن يفتح باب التوبة ونحن في حالة حرب على الإرهاب؟ بأيّ عقلية سنحارب  عدوّا يتعامل معنا  بالسلاح يوميّاً؟ أنا في حرب والقيادة تعرض الصفح والعفو والتوبة على من يحاربني ويرفع في وجهنا السلاح ويقتل الأبرياء.. هذه الدعوات تضربنا في معنوياتنا وهي دليل على أنه لا  توجد رغبة لمعاقبة المذنبين.. الحرب لها قواعد ولها نفسية ومعنويات، ويجب ان يفهم الساسة أننا في حالة حرب ولسنا في وضع عادي، كما أن قياداتنا الأمنية مطالبة بأن تدرك أن الوضع الراهن يفرض علينا إعادة انتشار أمني في البلاد، تتغيّر معها مدّة الإيقاف وكيفية التدخّل وهذا موجود في أقوى الديمقراطيات في العالم، عندما يتعلّق الأمر بالأمن القومي يقف الجميع ضد كل من يحاول المساس به.. لكن للأسف هناك لامبالاة وغباء سياسي في تونس أوصلنا إلى هذا الوضع..

ما هو المطلوب اليوم؟
يجب أن يتجنّد الجميع للتصدّي للإرهاب، ويتّجه اهتمام السياسيين نحو هذا الملف، وقد سبق أن طالبنا بإحداث قطب قضائي وأمني، كما دعونا الحكومة إلى الإستماع إلينا وذلك في بيان رسمي للإتحاد الوطني لنقابات الأمن وقلنا لها إنه لدينا ما نضيفه لكم بخصوص ملف الإرهاب، ولكن لم يقع التجاوب معنا، وها ان الرباعي الراعي يطالب بعقد مؤتمر وطني لدراسة ملف الإرهاب.. وأنا أتساءل لماذا لم يقع تفعيل قانون الإرهاب الذي بقي معلّقا رغم المخاطر المحدقة التي باتت تهدد البلاد؟ ثمّ لماذا لم يقع تشريك رجل الأمن في هذا الملف كطرف فاعل ومباشر لمحاربة الإرهاب؟ بل حتّى القضاة لم يقع تشريكهم في هذا القانون الذي وقع إعداده في مقر وزارة حقوق الإنسان ولا نعرف من تولّى إنجازه والقيام به! وأنا وبصفتي الأمنية والنقابية وباعتباري مسؤولا عن 80 ألف عون أمن لا أعرف محتوى هذا القانون، لم يستشيروا الأمنيين والقضاة في هذا القانون ولم يقع تقديمه حتّى لمجرّد الإطّلاع عليه من قبل الرأي العام! يبدو أن هناك مخططا بصدد تطبيقه، أنتم تقولون ماتريدون ونحن نفعل ما نريد. أقول لهم استمعوا إلينا، نحن بصدد الموت يوميا، وأمن البلاد من مشمولاتنا، نحن حرّاس هذا البيت عندما يتخلّص منا الإرهابيون سيأتي الدور على الصحافيين والتجربة الجزائرية أبرز مثال على ذلك..
 إلى أي مدى ساهمت هذه اللامبالاة في ارتفاع وتيرة الإرهاب في البلاد؟
سأقدّم لكم مثلا بسيطا، نحن المتخرجون من أكاديميات الأمن نعرف أن من أبسط الأمور عندما يتلقى جهاز من أجهزة الدولة ضربة موجعة أن يردّ الفعل في الحين، حتّى تبين لعدوّك أنك لازلت واقفا.. هذا لم يقع، وكم كنت أتمنى لو وقعت حملات تمشيط من بنزرت إلى بن قردان بعد موت زملائنا في القصرين وإيقافات ممنهجة، لأننا نعرف أين تقع الأهداف، في تلك الليلة كان يفترض أن لا ينام أي إرهابي أو شخص له شبهة الإرهاب على راحته، لكن شيئا من ذلك لم يقع. طالبنا بتغيير استراتيجية العمل والإنتشار الأمني الذي يفترض ان يكون تحت شعار «يجب أن نتنقّل بحرية أكثر وبقوة أكبر» ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. طالبنا بدوريات معززة بالدروع والدبابات للقيام بحملات التمشيط على أن تكون هذه الدوريات مشتركة بين الأمن والحرس والجيش فقالوا لنا أن قرارا مثل هذا يجب أن نعود فيه إلى المجلس الوطني التأسيسي!! وأنا أريد أن أسأل أعضاء هذا المجلس الموقّر: هل أن قانون العفو على المجرمين الذين اعتدوا على مراكز الأمن أولى وأكثر أهمية من قرار تمكين الأمن والحرس والجيش من القيام بحملات ودوريات مشتركة للتصدي للإرهاب وتعقّب الإرهابيين؟ وهل أن قانون العفو على المعتدين على المنشآت الأمنية أكثر أهمية من قرار إحداث وكالة وطنية لمراقبة الأنترنات تحت إشراف قضائي لمعرفة المواقع التي تدعو إلى جهاد النكاح والجهاد في سوريا والتكفير ومعرفة من يقف وراءها؟ عندما يقف وزير الداخلية ويقول أنه طالب من الحكومة بتغيير تركيبة «لامونيتر» الذي تستعمله وزارة الفلاحة ويستعمله الإرهابيون للتفجيرات حتّى لا يصبح قابلا للتفجير ولا يقع الأخذ باقتراحه في حكومة الترويكا، ماذا يعني ذلك؟! لمّا نطالب بحلّ الجمعيات الدعوية  التي لديها ميزانيات بالمليارات  ولا يقع حلّها بتعلّة أن الأمر موكول للمجلس التأسيسي ولا تقع إحالته لهذا المجلس ماذا يعني ذلك، فهل هي رغبة في تقويتها وجعلها دولة داخل الدولة؟! ثم تأتون اليوم وتتساءلون عن أسباب انتشار الإرهاب وعن عمليات جندوبة والقصرين والشعانبي..
 وهل ان هؤلاء الارهابيين الذين طالبت بايقافهم عقب عملية القصرين معروفون؟
طبعا، بل حتى المواطنون يعرفونهم.. خطاباتهم ودعواتهم في المساجد والقنوات التلفزية معروفة، خيمهم في الشوارع معلومة يتكلمون وينصبون الخيمات وكأن لديهم حماية خاصة، هؤلاء يعرفهم المواطن العادي فما بالك برجل الأمن.. وقد وصل الأمر ببعض من يدّعون العلم في السياسة وفي حقوق الإنسان إلى الظهور  في التلفزات ليقولوا إن تصنيف تنظيم أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا هو قرار جائر وقرار سياسي وأنهم يقفون ضد هذا التصنيف، أبعد  هذا الكلام كلام؟! مقاومة الإرهاب تستوجب إجماعاً وطنيا وليس هناك حياد مع الإرهاب..
 من له مصلحة في وجود الإرهاب في تونس؟
الذي يفهم الإرهاب يدرك انه يستهدف الجميع دون استثناء.
 هل لدينا الإمكانات البشرية واللوجستية والمادية للقضاء على الإرهاب لو توفرت الإرادة السياسية؟
إذا توفرت الإرادة السياسية القوية في تشريعات وقوانين -وهو ما يمكن إنجازه في 24 ساعة- يمكن حينها الحديث عن عملية استئصال الإرهاب والقضاء عليه، ولكن إذا لم تكن هناك تشريعات فإن المسألة تبدو معقدة..
 كيف ذلك؟
أعطيك مثالا، حين يعود إلى تونس إرهابيّ كان يحارب في سوريا وأجد صوره على هاتفه الجوال وهو يحمل رشاشا أو سلاحا آخر وبصدد المشاركة في الحرب ليس لدينا أي نص قانوني يسمح لنا بمحاكمته.. في حين لو كان هناك قانون الإرهاب لن تقلّ فترة عقوبته في السجن عن العشر سنوات..وهنا نعود للحديث عن الإرادة السياسية وأهميتها في محاربة الإرهاب وبالتالي فإن مسؤولية التشريعات والقوانين بيد السياسيين وحدهم لأن المواطن من جهته أصبح واعيا بالخطر والدليل على ذلك أن هناك من الأمهات من يأتين إلينا ويطالبننا بإيقاف أحد أبنائهن لأنه بصدد التحضير للقيام بعملية تفجيرية سيذهب ضحيتها عشرات الأبرياء..
 حدث ذلك فعلا؟
نعم، هناك من قالت لنا أن ابنها سيفجّر نفسه وطالبتنا بالقبض عليه بعد أن كفّر أمه ووالده وإخوته ووعدهم بالموت!
 وما حكاية الأمن الموازي؟
هناك زملاء كانوا ينتمون إلى حركة النهضة وغيرها، في وقت ما حملوا السلاح علينا، وقعت  الثورة عادوا للعمل معنا، نحن نرحب بهم لأنهم زملاء وعفا الله عما سلف، لكن من يضمن أن هؤلاء لم تعد لديهم قناعات بالعمل الحزبي؟ أنا لا أتصور ذلك لأنهم دخلوا السجن من أجل انتماء عقائدي وحزبي.. نحن قلنا مرحباً بعودتهم، لكن لا يمكن وضعهم في مواقع القرار. واليوم لدينا قيادات في وزارة الداخلية معروفة بخضوعها للقرار السياسي الذي كان خاطئا..
 لم أفهم ماذا تقول!
طيّب، أعطيك مثالا، مدير إقليم يقع إعلامه من طرف أحد المواطنين  بوجود سلاح في مكان ما يتراخى ولا يقوم بعمله، من الغد يأتيني المواطن إلى مقر النقابة ويعلمني بأنه توجّه إلى الإقليم وأخبرهم عن وجود سلاح فيقولون له  «أعتبر نفسك كنت تحلم وأنت نائم بالليل» فهل يمكن لي أن أطمئنّ في المستقبل لهذا القيادي الأمني؟! لأجل ذلك قلنا باعتبارنا نعيش حالة حرب على الإرهاب، هناك قيادات لا يمكن أن نستأمنها على مكافحة الإرهاب، لذلك يجب عليهم الإبتعاد قليلا حتّى لا نوجّه إليهم تهمة الخيانة أو الإنتماء إلى حزب معيّن.. علاوة على ذلك هناك قيادات أمنية ليست لديها الكفاءة موجودة في مواقع لا تستحقها مقابل وجود قيادات مجمّدة يشهد لها الجميع بالكفاءة..
 ماهي المسؤوليات التي تتحمّلها هذه القيادات الفاعلة التي تحتل مواقع لا تستحقها؟
 هناك ثلاث قيادات برتبة مدراء عامين وعشرة قيادات أخرى برتبة مدراء مركزيين وجهويين..
 بحكم موقعك وتجربتك، وحتّى نحاول إنارة الرأي العام والعائلات التونسية، ماهي الطرق التي استعملها التيار التكفيري لتجنيد واستقطاب الشباب حتى أصبحوا أداة مطيعة بين أيديهم؟
التيّار التكفيري تحرّكه ممنهج وهو يستهدف الفئة التي ترددت على السجون لأنها تعوّدت على مجابهة الأمنيين، كانوا يبيعون الخمر وكل يوم  في حالة فر وكر مع الشرطة، أي لديهم ثقافة المواجهة ويعرفون السجون.  لمّا يعدونهم بالجنة وحوريات الجنة حتّى يكفروا عن زلاتهم السابقة يصبحون مطيعين خاصة بعد أن أخضعوهم إلى التكوين داخل السجون من قبل التكفيريين الذين دخلوا السجون لإلقاء «الدروس» وكوّنوا المجرمين وحوّلوهم إلى إرهابيين.. ثم يقع العفو ويخرج الإرهابيون جاهزين من السجون، تجده لا يحفظ أكثر من أربع آيات قرآنية ولا حتّى «جزء عمّ» ويتحدث عن الجهاد، البقية يقع استقطابهم عن طريق الأنترنات وعن طريق الخيمات الدعوية والجمعيات الدعوية والخيرية التي تدخل البيوت بتعلّة تقديم المساعدات حتى وصل الأمر إلى حد تجنيد فتاة لا يتجاوز سنها 14 سنة تصحو والدتها من النوم ولا تجدها في المنزل لتسمع بها بعد يومين بأنها في سوريا..
 هل أصبحت النقابات الأمنية تمثل خطرا على بعض الأطراف بعد كشفها للحقيقة الشيء الذي أدّى إلى وجود أصوات تطالب بحلّ النقابات الأمنية؟
هذا أكيد، اليوم بعدما كشفنا الحقائق للناس وانتزعنا ثقة المواطن أصبحوا يسعون لحلّ النقابات الأمنية بعدما تعرضنا للمضايقات وللتجويع، وصدرت فينا فتاوى بالقتل ورغم ذلك لم نتراخ ولم نتراجع.. وقد وصل الأمر إلى حد بعث نقابات موازية في شكل شعب مهنية أو في شكل حريم السلطان، ورغم ذلك بقي صوتنا عاليا..
 من له مصلحة في حلّكم وإخماد أصواتكم؟
هناك قيادات أمنية فاسدة وأطراف سياسية لا تريد أن يكون ثمّة أمن جمهوري.
كلمة أخيرة نختم بها اللقاء؟
سنحارب الإرهاب وسننتصر عليه بإذن الله وأنا أقول «إلّي يخاف يمشي على روحو من الوزير إلى الغفير»

حاوره: عادل بوهلال